موضوع: أريد أن أنام ... !!! ...قصة مشوقة لعشاق النوم الخميس يناير 07, 2010 8:55 am
أريد أن أنام بلغ السيل السبا، وفاض الماء، وفار التنّور، ولا زال يحاول الوصول إلى سريره الدافئ في غرفته المعتمة لكي ينال قسطا من الراحة بعد عناء يوم شاق ومرهق ومدمر للنشاط.
هكذا كانت حال نبيل الذي أراد أن يخلد إلى النوم ويذوق طعم الأحلام السعيدة، ولكن هيهات من أن يُتركَ لحاله، فزوجته فريدة تريد منه أن يذهب إلى السوق ليشتري المؤونة الشهرية من الأطعمة؛ إذ أن الثلاجة تصفّر من شحّ الطعام، وسيطرت -على حد تعبيرها- خيوط العناكب على أروقتها، فخرج متثاقلاً يحمل على كاهله هذا الهم الذي سيعذبه ساعتين على الأقل في تلبية طلبات "أم العيال"، وبعدما أنهى خدماته الزوجية بإتقان، دخل المنزل وبدأ يسير كالأموات الأحياء إلى داره لكي يغط في سبات عميق، وحينها فاجأته والدته -تلك العجوز المريضة- بسعالها ذي الصوت المدويّ العالي الذي يفيق حتى سابع جار، لتبدأ سلسلة متواصلة من التذمر والشكوى من الحالة المتردية التي وصلت إليها، ولم تكن لكلماتها أي تأثير على نبيل، فهو لا يفكر الآن إلا بالنوم ويعلم أن والدته لطالما بالغت بالأمور المتعلقة بصحتها، فهي امرأة طاعنة بالسن شارفت على أعتاب عقدها السابع، وبالطبع فإن صحتها لن تدوم إلى الأبد، ولكنها أصرت أن يأخذها إلى أقرب مركز صحي أو مستشفى، فالوسواس القهري نخر عظامها نخرًا. كان نبيل إبنا بارًّا بوالدته لدرجة أنه أيضا تحامل على نفسه، وطار بها إلى أقرب مستشفى حيث تبين أنها كانت تعاني من إنفلونزا عادية جدا ولم يجدر بها القدوم إلى المستشفى. عاد نبيل أخيرا ليرتاح، وضع رأسه على الوسادة، وإذا به يسمع صوتا عالية ومزعجة من ضحكات هستيرية وصوت شجار خفيف، قام من فوره غاضبا ليجد ابنه قد أحضر أصدقائه ليسهر معهم –فاليوم عطلة-، نظر إليهم بنظرات حادة، ولكنه طلب منهم بهدوء أن يخفضوا صوتهم قليلا، فلديه يوم حافل غدا لتأمين لقمة العيش له ولأسرته، رجع يصعد الدرج وكأن العالم كله جالس على رأسه ف هو لا يكاد يرى من أمامه من شدة النعاس. وأخيرا، لحظة من الهدوء الذي خيّم على الغرفة ..... وفجأة !! ، نهض على صوت شجار بيت الجيران، الزوجة تصرخ وتولول والزوج يضع جام سخطه على أطباق المطبخ، جحظت عينا نبيل واحمرّت من الأرق وعدم القدرة على النوم، ونزل مسرعا مرتديا أخف ما يملك من ملابس وبفردتي حذاء مختلفين، وتوجّه نحو بيت جيرانه وقرع الجرْس وأصلح بين الزوجين المتخاصمين ... فقط لكي يحظى بسويعات من الإسترخاء. دخل منزله مجددا وهذه المرة لم يقدر على صعود الدرج من شدة ما ألمّ به من خمول الأطراف وضعف الأعضاء، فألقى بنفسه كورقة تسقط من شجرة في فصل الخريف على الأريكة، وما أن أسدل جفناه وصار بين عالم الدنيا وعالم المنام، وإذا بصرخة مدوية .!! تعكّر عليه هذه اللحظات الممتعة ، قام برأس مغليّ لكي يعاقب صاحب هذه الصرخة، ولكنه شمّ رائحة غريبة ..... حريق !! نعم إنه حريق بالمنزل، أخرج نبيل الجميع بما فيهم والدته المريضة.
حضرت سيارات الإطفاء متأخرة كالعادة بعد أن طالت النيران نصف منزله، أ ُخْمِدَ الحريقُ وكشف التقرير أن السبب الرئيسي هو سيجارة ألقيت على السجادة، نعم فكانت سيجارة ابنه الذي يدخن بالسر والذي غفا وسقطت منه على السجادة وانتشرت النيران في أرجاء المنزل.
كانت فريدة كالبركان الحامي الثائر وأرادت أن تعاقب ابنها بشدة، وكالعادة ستوكل مهنة الضرب والتربية لبعلها الذي لا ينفك يطيعها في شتى الأمور ... نادت زوجها "نبييل أين أنت يا نبيييل، تعال إلى هنا وأدّب ولدك هذا.. ها ؟ نبييل أين أنت ؟؟" اختفى نبيل ولم يعرف أحد أين ذهب، ولكن في الحقيقة كان نائما في المقعد الخلفي لسيارته بعد عناء هذا اليوم الذي كاد يقتله مستمتعا بمدفأة السيارة وهدوء الكراج الذي لم تصل إليه النيران.