الفصل الأول
أكون أو لا أكون تلك هي المشكلة، قالها قديماً شكسبير على لسان هاملت، ونحن نقولها حديثاً: أحب - بكسر الحاء - أو أحب - بفتح الحاء- تلك هي المشكلة، والمشكلة الأكبر هي في فك الإشتباك أو إزالة اللبس فيما بين الحب والجنس، هذا الإشتباك والإرتباط الذي وصل إلى درجة أن بعض الناس إعتبر الإثنين وجهين لعملة واحدة، واللبس الذي وصل أيضاً في بعض الأحيان لدرجة أن بعض الناس على العكس من ذلك يؤثم ويدين كل من يلوث الحب - من وجهة نظرهم - بأدران الجنس.
ولكي نفهم التطور الذي طرأ على طريقة تناول المفكرين والمبدعين لهذه العلاقة فيما بين الحب والجنس،علينا أن نعرف أولاً أنه عندما كتب "وليم جيمس" مرجعه الكلاسيكي الهام "مبادئ علم النفس" 1890 كان نصيب الحب في هذا المرجع الضخم مجرد صفحتين، وفي هاتين الصفحتين عندما تناول العلاقة فيما بين الحب والجنس كتب جيمس"إنها تفاصيل مقززة لانريد الخوض فيها"، ولكن مع التطور ومرور السنين تغيرت هذه النظرة التي تدين والتي تتربص، وتحولت إلى نظرة تحاول أن تفهم وأن تحلل، وصارت الأقلام أقل إرتعاشاً وأكثر جرأة في تناول هذه العلاقة.
بنظرة سريعة على رواية عشيق الليدي تشاترلي والتي كتبها د.هـ.لورنس في عام1962 نجد أنه أكثر شجاعة من من جيمس وأكثر صراحة ومواجهة، فالحب عند لورنس يتعمق كلما رفعنا عنه المحظورات، وينمو كلما قل إصرارنا على التعامل معه بأيادٍ معقمة، لأن هذه هي بداية وضعه على أسطوانة الأوكسيجين في غرفة العناية المركزة.
ولنقرأ هذا الديالوج معاً من تلك الرواية التي هزت الدنيا حين صدورها وهو حوار مابين الليدى تشاترلي وعشيقها
قالت: ولكن ماذا تعتقد؟ قال: لاأعرف.
قالت: لاشيء تماماً مثل الرجال الذين عرفتهم.
ولف الإثنان الصمت للحظات كسرها هو حين أثار نفسه وقال "أنا أعتقد في شيء واحد، هو أن أصبح دافئ القلب، ملتهب المشاعر بالنسبة للحب، أعتقد في شيء هام هو أن أمارس الجنس مع قلب دافئ، لو كل الرجال مارسوا الجنس بمشاعر دافئة وكذلك النساء، كل شيء سيصبح على مايرام، أما إذا حدث العكس فإن الجنس سيصير ببساطة بلاهة وموتاً".
حتى وقت قريب كان موضوع الحب يدخل في دائرة إهتمام الكتاب والشعراء والفلاسفة ولايصح للعلماء أن يقتربوا من قدس أقداسه حتى لايلوثوه بنظرياتهم، أى ببساطة لايقتربون حتى لا "يتكلكع"، وظل الجميع يرددون مع شاعرنا الكبير نزار قبانى "الحب في الأرض بعض من تخيلنا لو لم نجده عليها لاخترعناه ".
وبما أنه من تخيلنا فقد كان رأيهم أنه لايصح أن نطبق عليه صراحة العلم ونهبط به من السماء إلى الأرض، وكأننا نعيش في كوكب، والحب يعيش في كوكب آخر لاتستطيع أي سفينة فضاء الوصول اليه لأنه بالرغم من أنه يجذبنا جميعاً إلا أنه خارج مدار الجاذبية، ولكن العلم الذي طرق جميع الأبواب إستطاع التسلل إلى حيث مفتاح غرفة الحب التي نصحنا الجميع بألا نطلع على أسرارها، ولكننا سنحاول أن نلقي الضوء على هذه العلاقة المعقدة والمتشابكة بين الحب والجنس والزواج، لكى نزيل ولو قليلاً من الإلتباس والإضطراب الذي يعشش في الأذهان تجاه هذه العلاقات الثلاث، فهيا في البداية نقرأ كف الحب لعلنا نصرخ مع الشاعر فرجيل "الآن أجدني أعرف ماهو الحب".
ماهو الحب؟...
محاولة الإجابة على هذا السؤال وتعريف الحب هي أصعب مهمة على أي إنسان سواء كان مفكراً أو فيلسوفاً أو شاعراً أو عالماً، وهذه المحاولة تشبه إقتناع إنسان بأنه مادام صار قادراً على الميزان بميزان الذهب فإنه يستطيع بسهولة أن يزن الجبال !!.
بجانب الحب الذي نتحدث عنه ونقصده وهو حب الرجل للمرأة والعكس، توجد أنواع مختلفة وأصناف متباينة وأنماط شديدة التنوع للحب، يوجد حب الآباء لأولادهم، وحب الوطن، وحب الرب، وحب القمر والشيكولاته والآيس كريم، أو حب مدينة أو مكان له ذكرى في الوجدان...الخ.
على الرغم من أن كل الأنواع السابقة تندرج تحت عنوان كبير واحد وهو الحب، فإن كلاً من هذه الأنواع له معنى ومذاق مختلف، وإذا كانت اللغة الإنجليزية تقتصر على كلمة LOVE للتعبير عن الحب وقاموسه الواسع، فإن اللغة العربية كانت أشمل وأكثر قدرة على الإحاطة بهذا الشعور المستعصي على التعريف، والمراوغ لمن يحاول وضعه في قفص التصنيف والتبويب، ففي اللغة العربية نجد الهوى أول مراتب الحب، إلى أن نصل إلى الهيام في آخر درجاته مروراً بالكلف والعشق والشغف واللوعة والجوى وغيرها من الكلمات والتعابير التي لكل منها معنى مختلف ومميز عن الآخر.
ونحن حين نتحدث عن حب شخص لشخص آخر يطالعنا أبسط تعريف قدمه روبرت هينلين في كتابه "غريب في أرض غريبة"، وهو أن "الحب هو هذه الحالة التي تصبح فيها سعادة شخص آخر ضرورية لك"، هذا هو بالطبع الحب الذي قصده شكسبير في مسرحيته الرائعة روميو وجولييت، وغنى له خوليو إغليسياس وشارل أزنافور وعبد الحليم حافظ، وترك من أجله إدوارد الثامن أهم وأغلى عرش ملكي في العالم، وهو عرش إنجلترا لكي يرتبط بامرأة أحبها طيلة حياته.
في أي نوع من أنواع الحب التي ذكرناها أو تناولتها التعريفات يظل العنصر الاساسي الذي يشملها جميعاً، والعصب الاساسي الذي يغذيها كافة، هو شيء واحد فقط، الإهتمام، فالإهتمام بالشخص المحبوب هو أهم الضروريات، أو على الأصح هو الحد الأدنى لأي تعريف، وبدون هذا الإهتمام يصبح مايشبه الحب مجرد رغبة أو نزوة، وهنا يكمن الفرق فيما بين الحب والرغبة (LOVE and DESIRE)، فمثلاً من الممكن أن يصرح مراهق في الخامسة عشرة لصديقته بقوله "أنا أحبك" وهو في الحقيقة يحاول إقناعها بأن تمارس معه الجنس، وفي حالات أخرى كثيرة تكون الرغبة في الحصول على ثروة أو مكانة إجتماعية أو سلطة....الخ، تكون الرغبة في كل هذا هي التي تؤدي بالشخص لأن يتظاهر بحب شخص ما لكي يصل إلى هذه الأهداف.
وبما أن الحب والرغبة الجنسية كليهما ممكن أن يختلط مع الآخر في الأذهان لدرجة أنه من أشد الأشياء صعوبة هي أن نفرق بينهما من حيث الدرجة أو من حيث الشدة أو الأسبقية، وكانت نقطة التفرقة الأساسية عند الكثيرين تكمن فيما وراء الشعور، أي في الشعور الخفي وليس الظاهر، بمعنى أنه عموماً توصف الرغبة الجنسية بأنها أضيق، ولذلك فمن السهل أن يفقدها الإنسان بسرعة، أما الحب فهو أكثر إتساعاً وبالتالي أكثر تعقيداً، ولذلك فإن الحب عاطفة ثابتة لاتفقد بسهولة، وبتوضيح أكثر فإن الرغبة الجنسية غير الناضجة تفتقد إلى عنصري الإهتمام والإحترام، ولايمثل هذان العنصران نواة صلبة للعلاقة التي ينقصها النضج كما ذكرنا كأغلب علاقات المراهقين، ولذلك فإن الرغبة دائماً تعرف عن الطريق الجسدي أو الحسي وليس إطلاقاً عن الطريق الروحى، بينما يحتوى الحب في داخله على شغف جنسي ورغبة في الإتحاد بالطرف الآخر، إلا أنها في كل الأحوال لابد أن تحتوي على العنصرين السابقين، وهما الإهتمام والإحترام وبدونهما يصبح الإنجذاب إلى أي شخص هو حب مزيف، مجرد تقليد، من الممكن أن نطلق عليه أي شيء إلا كلمة حب، فالإحترام يسمح لنا بأن نقدر هوية وتكامل شخص المحبوب، ويمنعنا من أن نحوله إلى مادة للإستثمار أو الإستغلال بطريقة أنانية، والإحترام الذي أقصده حتى لاتختلط الأمور ليس الإحترام المرسوم في أذهاننا بالنسبة للآداء الجنسي، فما نعتبره نحن إباحياً وقلة أدب في هذا الآداء من الممكن أن يكون قمة الإحترام بالنسبة لرغبات الطرف الآخر، ولكن الإحترام الذي أقصده هو إحترام أحاسيس الطرف الآخر وتقدير هويته.
لعل هذه المعاني السابقة هي التي وردت على ذهن د. لاغاش أستاذ علم النفس بالسوربون حين أراد أن يحدد العلاقة والفرق أيضاً بين الحب والرغبة الجنسية، فهو يقول "لاسبيل لنا إلى تفسير الحب تفسيراً صحيحاً لو أننااإقتصرنا على إرجاعه إلى مجرد الحاجة الجنسية، والواقع أن الحب إنما يتجاوب مع الإرتقاء النفسى للبشر، من حيث أنهم في حاجة إلى أن يحِبوا وأن يحَبوا بكسر الحاء وفتحها، أعني أن الفرد في حاجة إلى فرد آخر، وكل ماتفعله يقظة الغرائز الجنسية هو أنها تساعد على خلق الجو النفسي الملائم لمولد الحب، إذن فإن الدلالة الحيوية للحب لا يمكن أن تكون هي التناسل بل هي التحرر من العزلة النفسية، ومعنى هذا أن الحب يحرر الذات من ضغط القوى الأخلاقية التي أقيمت سدودا في وجه عملية إشباع الغرائز، ومن هنا فإن الحب هو تلك الإمكانية التي تسمح لشخصين أن يكونا هما وهما فقط. نعود ثانية إلى الإهتمام والإحترام اللذين كانا محوراً أساسياً في كتابات مفكر كبير آخر هو "إريك فروم" الذي كان لكتابه "فن الحب" الذي صدر في عام1956 أكبر الأثر في كافة الدراسات التي تناولت هذا الموضوع فيما بعد وأصبح بعد الآن من الكلاسيكيات في فلسفة الحب.
الفصل الثاني
الفرق بين الحب والإدمان
يؤكد إريك فروم فى كتابه "فن الحب" على أن البشر يستطيعون الوصول لنوع من الحب الذى له معنى فقط إذا هم وصلوا أولاً لحالة من تحقق الذات أو الثقة بالنفس، ولذلك فإن "فروم" يعرف الحب الناضج بأنه "الإتحاد الذى يتوافر فيه أن يحتفظ كل بتكامله، كل بهويته، كل بتفرده"، ولذلك فإن التناقض الظاهرى الذى يبدو لأول وهلة فى أى علاقة حب هو: كيف تصبح واحداً فى علاقة تضم إثنين؟!.
بالنسبة للإحترام الذى لابد أن يكون فى كل علاقة حب كما ذكرنا، فإن "فروم" يعبر عنه أيضاً بهذه المقولة التى لابد أن يحسها كل محب فى قلبه قبل أن يجهر بها على لسانه وهى "أنا أريد لمحبوبى أن ينمو وأن يترعرع لمصلحته هو، وبطريقته هو، وليس من أجلى وبطريقتى ولالغرض خدمتى"، وكل ماأكد عليه "إريك فروم" فى كتابه يتفق مع أبحاث العالم النفسى "براندن" والذى أكد هو الآخر على أن الحب لايستطيع أن يكون بديلاً عن هوية الإنسان، وقد كانت للعالمين "بييل" و "برودسكى" فى 1976 أبحاثاً هامة ضمت وجهات نظر مثيرة فى مجال مانتحدث عنه، حين تحدثا عما يقع إذا إفتقدت علاقة الحب الإهتمام والإحترام، وكان إعتقادهما الراسخ أن هذه العلاقة مثلها مثل إدمان الكحوليات أو المخدرات، فحينها يصبح الحب فى الحقيقة إعتياداً، وليس إرتباطاً عاطفياً حميماً، ويقولان عن مثل هذه العلاقة المفتقرة للإهتمام والإحترام "عندما يذهب شخص إلى آخر بغرض ملء فراغ نفسه، تتحول العلاقة سريعاً إلى أن تصبح مركزاً أو محوراً لحياته أو حياتها، إن هذه العلاقة تقدم العزاء والسلوى التى تتناقض بحدة مع مايجده فى أى مكان آخر، ولذلك فهو يعود إليها كل حين ويرتبط بها أكثر فاكثر حتى تقتحم عليه كل حياته، وعندما يصبح التعرض المستمر لشئ هو الضرورى لكى تصبح الحياة محتملة، فإننا نتكلم عن الإدمان مهما كانت رومانسية العلاقة، إن الإدمان وفقدان هذه العلاقة يؤدى بالشخص إلى نفس الأعراض التى تظهر على المدمن حين نسحب منه المخدر".
هل مازال الكلام غامضاً؟، أظنه يحتاج إلى مزيد من التوضيح، قدم لنا العالمان "بييل" و"برودسكى" هذا التوضيح ولم يتركانا نضرب أخماساً فى أسداس، وسهلا لنا الطريق وإقترحا بعض الصفات أو الملامح التى نستطيع أن نفرق بها بين الحب كعلاقة صحية وبينه كإدمان من خلال طرح الأسئلة التالية:
· هل كل محب يملك الثقة فى قيمته؟
· هل كل محب يتحسن ويرتقى من خلال العلاقة؟
· هل هما خارج العلاقة يملكان نفس القوة ونفس الجاذبية؟
· هل يحتفظ كل محب بإهتماماته وهواياته خارج إطار العلاقة؟
· هل هذه العلاقة تكامل أكثر منها تعويض؟
· هل كلاهما موسوس أو غيور من نجاح ونمو الآخر وزيادة إهتماماته؟
· هل هما بالإضافة لأنهما حبيبان.. هل هما صديقان أيضاً؟
هذه الأسئلة نهديها لعلاقات حب مصرية وعربية كثيرة خاصة داخل أسوار الجامعة أو مكاتب الشركات والهيئات الحكومية التى ما أن يرتبط إثنان فيها حتى ينعزلا ويبدأ الهمس وتقطيع خيوط الصداقات القديمة والهوايات المحببة، وكل ما من شأنه أن يحتفظ بالإستقلالية، ويصبح كل فرد مستعمراً للآخر، لايريد أن يمنحه الإستقلال حتى ولو قام بثورة، وهو بالتأكيد لن يفعلها، لأنه للأسف يحب ويستمرئ هذا الوضع الإستعمارى البغيض!!.
هذه الأسئلة نوردها أيضاً لا لكى نقول أن هذه هى الطريقة المثلى للحب، أو لنقول تعلموا أسهل وصفة لطبق الحب على طريقة "أبلة نظيرة"، بإختصار لانقدم هذا لكى نعلمكم الصح فى الحب، وبالطبع نحن نعرف أنه لن يجيب أغلبنا عن السبع أسئلة بنعم، ولكننا بالتأكيد سنستفيد من هذه الأفكار فى صياغة مستقبل علاقاتنا التى من الممكن أن تكون مزيفة أو على الأقل علاها الصدأ.
قبل أن نخوض فى النظريات التى وضعت لمناقشة مفهوم الحب، أو بلغة أكثر علمية لـ "قياس الحب"، نود أن نقول أنهم فى الغرب قد حاولوا جاهدين التفرقة بين كلمتى LIKE and LOVE فى اللغة الإنجليزية التى ذكرنا من قبل أن قاموسها بخيل وضنين بالنسبة لهذه العاطفة على عكس قاموسنا العربى الذى يعتبر فى غاية الكرم فى مترادفاته الغرامية.
بالطبع ليس هذا إدانة لهم، وتكريماً لنا، بل على العكس فمن وجهة نظرى الشخصية أن المجتمع العربى يحاول التعويض عن فقر الحب بغنى وثراء الألفاظ والمترادفات المتعلقة به، ويحاول التنقيب عنه فى مناجم كثيرة وفى أغلب الأحيان لا يجنى سوى صدى خافت أو معدن مزيف!.
أقرب معنى للكلمة الإنجليزية LIKE هو الميل أو الود والذى حاول الكثيرون تفرقته عن الحب، ولقد دخل العلماء حلبة البحث منذ السبعينات لإجراء هذه المقارنة، وسنجد أسماء لعلماء مثل روبين وبلوتشك وكونتى وهاتفيلد وغيرهم حاولوا جاهدين الوصول إلى حد فاصل بين هاتين العاطفتين، وإعتقد بعض علماء النفس أن الفرق الحقيقى والواضح بينهما هو عمق المشاعر ودرجة التداخل والإندماج بين الطرفين
قد لايعجب هذا الكلام الكثيرين، لأن مثله مثل تفسير الماء بعد الجهد بالماء، مما دعا جبهة أخرى من العلماء للتصريح بعبارة أكثر رشاقة من العبارة السابقة فقالوا "لابد أن يكون واضحاً وجلياً أن مزيداً من الود أو الميل لطرف آخر لن يقود بالضرورة إلى الحب الرومانتيكى بل سيؤدى إلى مزيد من الود والميل" !!.
الفصل الثالث
مثلث الحب
سيعترض الكثيرون على هذا العنوان الذى يحصر الحب فى ثلاثة أضلاع هندسية!، فكيف نضع الحب، تلك العاطفة المستعصية على التعريف والتصنيف وذلك السلوك الشارد عن أى محاولة لجعله اليفاً، كيف نضع كل هذا فى مثلث؟، وسيصرخ البعض فى وجوهنا كيف يتحول الحب على أيديكم إلى معادلات ورسوم بيانية، إلى مثلثات ومكعبات ولوغاريتمات، إنكم بذلك تفقدون الحب تلقائيته وتجعلونه كبيانات وزارة المالية أو مصلحة الضرائب!، وفى النهاية سيصرخ البعض من محاولاتنا ويقول أن الحب لايقرأ من خلال عداد الكهرباء أو أو يقاس بواسطة مصلحة المساحة، ولكنه يقرأ من خلال نبضات القلب ودفء المشاعر والأحاسيس.
أقول فى البداية وفكاً للإشتباك، أنا معكم وأوافقكم على كل هذا، ولكن ماهو المانع فى أن يدخل العلم إلى هذه المنطقة الملغومة بأدواته وفضوله وجرأته؟، أليس من المحتمل أن يضيف إلى معلوماتنا شيئاً تاه فى غموض الشعر الرومانسى وغفلت عنه روايات الغرام، هذا محتمل بل مؤكد، ولنستمع للعلم وهو يرتدى نظارته "كعب الكباية"، وهو يحلل، ويحاول الفهم، لنعرف ماذا أضاف وماذا عرفنا عنه من جديد ومدهش؟.
أولاً: من هو صاحب نظرية مثلث الحب؟
إنه العالم النفسى "روبرت ستيرنبرج" الذى إنتهى من صياغتها فى نهاية الثمانينات.. والسؤال الأول يستلزم سؤالاً ثانياً بالضرورة هو: ماهى الأضلاع الثلاثة لهذا المثلث؟
أول ضلع هو ضلع العلاقة الحميمة، والثانى هو العاطفة والإنفعال، والثالث هو ضلع القرار/الإلتزام، وفيما يلى سنحاول شرح هذه الأضلاع الثلاثة حتى نستطيع فهم نظرية ستيرنبرج فى الحب.
يشمل ضلع العلاقة الحميمة إرسال وإستقبال الدعم العاطفى إلى ومن الشخص المحبوب، بالإضافة إلى السلوكيات والتصرفات التى تشجع على خلق شعور من الدفء داخل علاقة الحب، وهذا يشمل بالطبع التواصل الصادق والمفتوح والأمين، ويشمل أيضاً المشاركة، أن نعيش خبرة السعادة معاً، أن يفهم كلانا الآخر وأن يقدره أيضاً.
أما ضلع العاطفة أو الشغف، فيشمل كلاً من العاطفة الجنسية، وإلى جانبها بعض الإحتياجات الأخرى التى تؤكد هذه العاطفة، على سبيل المثال: إحتياج الثقة بالنفس، إحتياج التبنى من أو بواسطة الآخرين أو إحتياج السيطرة عليهم، أو أن يسيطر عليه منهم.... إلى آخر مثل هذه الإحتياجات التى قد تفوق فى أحيان كثيرة مشاعر الجنس السطحية الوقتية السريعة عند بعض الناس، ولنعرض لكم مثالاً حياً حتى نقترب من فهم هذه العاطفة وإحتياجاتها:
ولدت نجلاء - هذا إسم وهمى - فى بيت مكسور بمعنى الكلمة، بيت ملئ بالشروخ والتصدعات، فلم تكن هناك أسرة بالمعنى المفهوم، الأب والأم فى شجار دائم وحرب لاهدنة فيها، وعندما وصلت لمرحلة البلوغ كان قد تم الطلاق بينهما، أحست نجلاء بأنها بلا عائلة، بلا بيت حتى قابلت سامى - وهذا إسم وهمى آخر - حينها إشتعلت العاطفة، فقد إحتضنها ومنحها الحب والتواصل والفهم، لم يكن فالنتينو، ولم يمنحها كل أسرار الجنس، ولكنه كان حميماً دافئاً، كان هو الأسرة التى فتحت ذراعيها لنجلاء فإرتمت فى حضنه تنشد الأمان، كان سامى هو الإنتماء بالنسبة لها، الإنتماء الذى لم تعرفه أو تفهمه من قبل، بل كانت على الدوام متعطشة إليه، كان الإنتماء هو زجاجة النبيذ التى حرمت عليها، وعندما سمح لها بأن تشرب منها أجهزت عليها وسكرت حتى الثمالة، لأنها كانت قد تعتقت بمرور الزمن، وكانت قدرة سامى على إيقاظ الإنتماء داخل نجلاء هو ماأثار عاطفتها.
نأتى إلى ثالث الأضلاع وآخرها، وهو ضلع مزدوج، فهو يشمل القرار والإلتزام، الجزء قصير المدى فى هذا الضلع هو القرار الذى يتخذه الإنسان بأن يحب شخصاً آخر، والجزء طويل المدى فى هذا الضلع من المثلث هو درجة إلتزام هذا الإنسان بأن يحافظ على هذا الحب.
أسمعك تتساءل: وهل هناك فرق بين الإثنين؟
نعم بالطبع هناك فرق، فالقرار فى أحيان كثيرة يتخذ ثم يحس الإنسان بعدها بأنه قد ورط نفسه، يشعر بوطأة المسئولية، يسأل نفسه "إيه اللى أنا عملته ده؟"، فيبدأ بعدها التحلل من تبعات هذا القرار فينهار الإلتزام
بعد هذا العرض لمكونات المثلث نأتى إلى كيفية التقييم، كيف نستفيد من هذه التقسيمات والمكونات والأضلاع؟.
التقييم والإستفادة والتحليل، كل هذا يتم من خلال الإجابة عن هذا السؤال "هل مثلث الحب عندى متطابق مع مثلث الحب عند الطرف الآخر؟ وإلى أى مدى يتطابق؟"
إذا تطابق المثلثان صارت العلاقة مثالية، وإذا لم يتطابق المثلثان فإن علاقة الحب تحتاج إلى مراجعة ووقفة تأمل طويلة، لأن هذه الأضلاع الثلاثة تعبر عن مدى قوة وإتزان علاقة الحب.
يعتقد "ستيرنبرج" أن أهمية تطابق مثلثى الطرفين هى فى نفس أهمية تطابق مثلث الفرد بالنسبة للمثلث المثالى، بمعنى أنه لابد أن يحسب الفرد الدرجات التى جمعها من الأسئلة التى سنعرضها فى نهاية المقال، بالنسبة لذاته ويطابقها على المثلث المثالى أو المفترض أنه مثالى.
نقطة هامة أخرى يوردها هذا العالم النفسى الكبير وهى أن هذا المثلث ليس ثابتاً على الدوام، إنه ليس مثلثاً إستاتيكياً كما نعتقد بل هو متغير تبعاً للسلوكيات والمشاعر، والدليل أن العاطفة تميل فى بعض الأحيان إلى أن تلتهب بسرعة، وفى أحيان أخرى سرعان ما تخمد، ويطلق ستيرنبرج على هذه الحالة مرحلة التعود.
بالتعود يصبح المحب غير قادر على إثارة مشاعر محبوبه كما كان يفعل فى بداية العلاقة، بالضبط كالتعود الذى يحدث عند التعاطى المنتظم للكافيين أو الكحوليات أو السجائر، فبمجرد أن يحدث التعود على هذه المواد تصير زيادتها أو الإكثار منها غير ذات بال ولاتنبه بنفس الكيفية التى كانت تفعلها من قبل، وتفيدنا حكاية التعود هذه فى تعديل مفاهيمنا عن علاقة الحب التى نتخيلها دائماً هبة من السماء تسقط من حجر إثنين، وتظل هذه الهبة ثابتة لاتتغير ولاتصيبها الشيخوخة ولاتزحف عليها التجاعيد.
الحب ليس "تى شيرت" يلبسه أصحاب كل المقاسات "أول سايز" بداية من ال " SMALL " إلى ال "X-LARGE"، إنه رداء يمكن أن يضيق علينا أو يضيق بنا، ولذلك لابد أن يكون تحت عين مصمم أزياء ماهر، هذا المصمم الماهر إسمه المرونة، فلنكن فى غاية المرونة فى علاقات حبنا حتى لايتخشب جسد هذا الحب ويصاب بتيبس العظام، ولنقرأ ماقاله ستيرنبرج فى هذا الصدد.
"لعله من أهم الأشياء فى نظرية مثلث الحب أن يصل الناس إلى يقين هام، وهو أن الحب عاطفة ديناميكية، عاطفة لاتحتاج إلى أن تكون أسطورة بل إلى أن تكون حقيقة وواقعاً، والسعادة ليس لها جانب واحد أو زاوية واحدة للنظر، إنها متعددة الجوانب والزوايا، والحبيبان اللذان يتوقعان أن تستمر العاطفة كما هى إلى الأبد سيقعان بالتأكيد فى هوة الإحباط، فالنظرية تؤكد على أننا لابد أن نعمل على مزيد من الفهم للعلاقة، مزيد من بناء العلاقة، ومزيد من إعادة البناء، فالعلاقات الإنسانية هى كالبيوت من الممكن أن ينخرها السوس بمضى الزمن إذا لم نحافظ عليها أو نحسنها، نحن لانتوقع أن تحافظ العلاقة على نفسها بنفسها ولكننا نتوقع أن تحافظ على نفسها بنا وبنا فقط".
وقد تعرضت نظرية ستيرنبرج لإنتقادات كثيرة منها أن هذا المثلث بسيط جداً إلى درجة مخلة، وأيضاً لأنه فشل فى التفرقة بين درجات العاطفة والإلتزام والعلاقة الحميمة، وتعامل مع كل منها وكأنها بديهية إنتهينا من مناقشتها، ولاتحتاج إلى تفصيل، كما وجهت إتهامات كثيرة له على أنه لم يضع فى إعتباره حين كتب هذه النظرية تأثير القوة الأكبر أو الضلع الرابع المسيطر وهو القوى الخارجية. المجتمع.. بإنتقاداته وعاداته وتقاليده ومفاهيمه المسبقة وضغوطه الشديدة على أى علاقة حب، وبالطبع فى مجتمعنا الشرقى يتضخم هذا الضلع الرابع حتى يصبح مارداً يلتهم المثلث كله، ويحوله إلى مجرد نقطة وفى بعض الأحيان إلى مجرد وهم!، ولكن ماهو مقياس ستيرنبرج لمثلث الحب الذى إستغرقنا الحديث عنه حتى أجلنا تفاصيله حتى الآن.
الأسئلة التالية هى مقياس ستيرنبرج لمثلث الحب، حاول الإجابة وحاولى الإجابة عن هذه الأسئلة أو بمعنى أصح العبارات وإحسب لنفسك الدرجة فى نهاية الإجابات، ودرجة كل سؤال من واحد إلى تسعه، وواحد يعنى ضعيف جداً، وخمسة تعنى متوسط، وتسعه ممتاز، وبين هذه الأرقام الثلاثة أرقام أخرى متفاوتة، والعبارات من 1 إلى 15 لقياس مقدار العلاقة الحميمة، ومن 16 إلى 30 لقياس العاطفة، ومن 31 إلى 45 لقياس عنصرى القرار/الإلتزام، وبرجاء أن تعطى لنفسك الدرجة من حصيلة إجاباتك، ولاتنس أن تكتب إسم من تحب فى المكان الخالى.
1- أنا عنصر مساعد ونشط...
2- علاقتى فى منتهى الدفء مع....
3- أستطيع الإتكال على...فى أوقات الحاجة.....
4- ....يستطيع أو تستطيع الإتكال على فى أوقات الحاجة....
5- مستعد أن أشارك أو أقاسم نفسى وممتلكاتى مع..
6- أتلقى دعماً عاطفياً معقولاً من....
7- أمنح دعماً عاطفياً معقولاً إلى.....
8- أتواصل جيداً مع....
9- أقدر تماماً دور......فى حياتى
10- أشعر بالقرب الشديد من...
11- لدى علاقة مريحة مع..
12- أشعر حقيقة أنى أفهم...
13- أشعر حقيقة أن.....يفهمنى جيداً
14- أشعر أننى أستطيع أن أثق فى...
15- أحس أنى قد تعرفت على نفسى بصورة أشمل وأعمق مع...
16- مجرد رؤية......تثيرنى
17- أجد نفسى أفكر كثيراً فى....طوال اليوم
18- علاقتى ب.....رومانسية جداً
19- أجد.....جذابة تماماً بالنسبة لى
20- أضفى وأسبغ على....صفات مثالية
21- لا أتخيل على الإطلاق أى شخص آخر قادراً على منحى السعادة مثل....
22- أفضل أن أكون مع.....أفضل من أى شخص آخر
23- لايوجد شئ أهم بالنسبة لى من علاقتى مع....
24- أميل إلى الإلتصاق
ب...
25- يوجد شئ ما ساحر بالنسبة لعلاقتى مع....
26- أهيم ب....لدرجة العبادة
27- لاأستطيع تخيل الحياة بدون...
28- علاقتى ب.....عاطفية جداً
29- عندما أشاهد أفلاماً رومانسية أو أقرأ روايات غرامية سرعان ماأتذكر...
30- أرسم ل.....صورة خيالية
31- أعرف جيداً كيف أمنح....العناية
32- أنا ملتزم تماماً بالحفاظ على علاقتى مع...
33- نظراً لإلتزامى بإستمرار العلاقة مع....لاأسمح للآخرين بالتدخل بيننا
34- إمتلك الثقة الكاملة فى ثبات علاقتى مع....
35- لن أسمح لأى شئ أن يعكر صفوى أو يعوق إلتزامى مع...
36- أتوقع لحبى.....أن يستمر طوال الحياة
37- سأستمر دائماً فى الشعور بالمسئولية القوية تجاه....
38- أرى أن إلتزامى تجاه....شئ أساسى ولاتنازل عنه
39- لا أستطيع تخيل أن تنتهى علاقتى مع.....
40- أنا متأكد تماماً من حبى ل....
41- أرى أن علاقتى مع....شئ أبدى
42- أرى أن علاقتى مع....كانت قراراً صحيحاً
43- أشعر بالمسئولية تجاه....
44- أخطط لإستمرار علاقتى مع....
45- حتى فى
اللحظات التى يكون فيها من الصعب التعامل مع....أظل على إلتزامى تجاه علاقتنا
الفصل الرابع
نظريات وألغاز الحب الرومانسى!
بما أن الحب كقطعة الكريستال الثمينة لها ألف وجه ووجه، وبماأنه مثل إبتسامة الموناليزا لها ألف تفسير وتفسير، فإن طموح العلماء لإختصاره فى نظرية واحدة محاولة فاشلة، ولذلك خرجت إلى النور مئات النظريات تطل برأسها باحثة عن شمس الحقيقة الساطعة..شمس الحب
لعل أهم النظريات وأكثرها غرابة وإدهاشاً فى نفس الوقت، تلك التى نشرها ثلاثة علماء فى 1988 شير وهازن وبراد شو، هذه النظرية تعتمد على النظر إلى علاقة الحب وكأنها تشبه علاقة الطفل بأمه وذلك لإعتبارات كثيرة تعود إلى ديناميكية الحب ذاتها مثل: الإعتماد على الشخص المحبوب لإشباع الإحتياجات العاطفية، وإشباع الرغبة فى الأمان، والتغلب على الخوف من الرفض والفزع الذى يعتريه عند الإنفصال، وقبل كل ذلك الأهمية القصوى للإتصال أوالتواصل غير الكلامى والذى يعتمد على لغات أخرى لاتحتاج إلى ترجمة فورية، هذا التواصل يعتبر من أهم أوجه الشبه بين العلاقتين
طبقاً للنظرية السابقة فإن كل علاقات الحب تشبه تماماً تعلق الطفل بأمه فى بدايات العمر ألأولى، ولابد أن نضع فى الإعتبار أن علاقة الأم بالطفل ليست مثالية فى كل الأحوال كمانعتقد، فمثلاً الأم التى لاتستجيب سريعاً لصراخ طفلها أو على العكس تتدخل فى كل صغيرة وكبيرة فى حياته وتخنقه بالرعاية المبالغ فيها، هذه الأم تساهم فى صنع طفل قلق، والأم التى تهمل حاجة رضيعها للحضن واللمس الحنون وهذه اللفتات البسيطة تساهم أيضاً فى أن يتجنبها الطفل فى المستقبل.
وفقاً للنظرية السابقة فقد صنف العلماء الثلاثة علاقات الحب إلى ثلاثة أنواع:
· أولاً: علاقة الحب الآمنة والتى لاينزعج فيها الطرفان من المستقبل فلا يفزعان من هجر أوإنفصال، ولايقلقان أيضاً من إقتراب شخص آخر بصورة حميمة من هذه العلاقة التى تربطهما
· ثانياً: علاقة التجنب، التى ينكمش فيها الطرفان ويصبحان غير مستريحين لإقتراب شخص آخر، وهى علاقة مصابة بأنيميا الثقة.
· ثالثاً: علاقة القلق -إزدواج المشاعر -التى يكون فيها الطرفان غير آمنين على العلاقة، ويظلان فى إنزعاج دائم وقلق مزمن وسؤال مستمر " هل مازال حبيبى على نفس درجة الحب القديمة؟ "، "هل سيبقى معى حتى النهاية؟"،وبالرغم من هذه الأسئلة التى تعكس القلق فإنهما يكونان مصابين بداء التعالى والغرور لدرجة التطفيش !!.
فى تحليل الأطباء الثلاثة الذى شمل 620 شخصاً من خلال قياسات واسئلة مختلفة والذى نشر فى جريدة "دينفر "، وجد هؤلاء العلماء أن الحب الآمن يغطى أكثر من نصف العلاقات، بينما تشمل علاقة التجنب "الربع"، أما النوع الثالث فيمثل 19% من مجموع الذين أجرى عليهم البحث، ياترى كم ستكون النسبة عندنا فى مصر؟...إنه سؤال مطروح على مراكز البحث الإجتماعى والنفسى.
واجهت هذه النظرية السابقة أيضاً إنتقادات كثيرة أهمها أن الإعتماد فقط على مايحدث أثناء الطفولة يغفل ويتجاهل التطور والتغيير المحورى الذى يحدث فى أنماط التفكير خلال الإرتقاء فى سلم العمر، ومنها التغيير الذى يحدث فى المراهقة والشباب، ولو كانت هذه النظرية، نظرية التعلق والإلتصاق صحيحة مائة بالمائة فإنها فى نظر المنتقدين ستصبح كارثة ومأساة لأن حياتنا طبقاً لتلك النظرية ستتحدد بماحدث لنا ونحن نرتدى "الكافولة " وتنحصر فى إستجاباتنا أثناء الرضاعة ومابعد الفطام !،علينا طبقاً لهذه النظرية أيضاً أن نقذف بكل ماتعلمناه وخبرناه بعد ذلك من أقرب شباك.
هذا النقد هو محور كل مايوجه إلى مدرسة التحليل النفسى كلها، فالجميع يرفض فيها هذا المفهوم الحتمى المرسوم بالمسطرة.
واجهت النظرية مشكلة أخرى وهى الإجابة عن هذا السؤال الذى إعتبره النقاد مفحماً وهو " إذا كان هذا الكلام صحيحاً فبماذا تفسرون ياأصحاب النظرية الإختلاف الثقافى فى النظرة إلى الحب، كيف تفسرون إختلاف مفهوم اليابانيين عن الهنود عن سكان جزر فيجى عن بدو الجزيرة العربية بالنسبة للحب!!.
رغم كل ماسبق تظل تلك النظرية فى بعض جوانبها قادرة على الإجابة عن اسئلة أخرى كثيرة، وملاحظات لانستطيع تفسيرها إلا طبقاً لها وبمساعدتها، ولذلك نستطيع أن نقول بعد قراءتها بمنتهى الراحة أنك لن تستطيع إحتضان حبيبك بدفء إذا كان حضن أمك فى الصغر جليدياً وتحت الصفر !.
أحمد...منى....أحمد..
نداء طالما سمعناه ونحن نشاهد الحبيبين يتجه كل منهما إلى الآخر فى نهاية كثير من الأفلام المصرية، تارة أحمد فى بداية الشارع ومنى فى نهايته، وتارة أخرى أحمد يطل من نافذة القطار فيفاجأ بمنى، وفى بعض الأحيان يختصر المشهد إلى مجرد صوت وصدى
إنه الحب الرومانسى الذى كثيراً مابكينا معه عند يوسف السباعى وعز الدين ذو الفقار، وكثيراً ماإتهمنا هذه الأعمال بالمبالغة، لماذا؟..هل لأننا نرفضها أم لأننا نتمناها ومحرومون منها؟
إنه الحب الرومانسى، ذلك الشعور العاصف كرياح الشتاء والمزمجر كموج المحيط، كوكتيل عجيب من العواطف المتناقضة، العشق مع الغيرة مع الألم، معادلة صعبة مليئة باللوغاريتمات لاتجدى معها الآلات الحاسبة.
إننا فى الحب الرومانسى ببساطة نُغمر أو "نغطس " فى الآخر تماماً، وعندما كتب تشوسر أن الحب أعمى كان يعرف أن هذا النوع من الحب لايحترم أى موضوعية ولايبالى بالمقدمات المنطقية، وعندما غنى فيلسوف المونولوج شكوكو "الحب بهدله" !!،فإنه أيضاً كان يعرف أن المحب الرومانسى يتغاضى عن أوجه الخلل ومناطق العيوب فى حبيبه وإن كانت فى حجم الجبال، ويمجد المحاسن وإن كانت تحتاج لتليسكوب !.
إن متاهات وتناقضات الحب الرومانسى كثيرة جداً، وهى بعدد علاقات الحب فى هذا الكون، ولذلك سنناقش فى البداية بعض النظريات التى وضعها علماء النفس لفك أسرار هذا الحب ومعرفة طبيعته، ثم نناقش بعدها النموذج الذى وضعوه لمايطلق عليه دورة الحب الرومانسى.
بداية ليس هناك إتفاق على تعريف محدد للحب الرومانسى بين علماء النفس والذين يحسدون أساتذة القانون على تعريفاتهم الجامعة المانعة، فالعالم براندن مثلاً يعرف الحب الرومانسى على أنه " الإلتصاق العاطفى والروحى والجنسى بين رجل وإمرأة والذى يعكس بدرجة كبيرة قيمة كل منهما بالنسبة للآخر "،وبالطبع لم يشف هذا التعريف غليل المهتمين، فعرفه العالم "فروم" بإقتضاب بأنه "الشبق "، وتراوحت التعاريف الأخرى بين كثير من هذه المعانى مثل " إنه الإنشغال التام بالآخر "،أو " الإحساس بالنقص بدونه أو بدونها"، أو " التفكير فى المحبوب سواء فى قربه أو بعده "، وكما قالت أم كلثوم " واحشنى وإنت قصاد عينى".....وغيرها من التعريفات التى من أهم مميزاتها أنها تضيف علامات إستفهام جديدة.
حينما تعددت مسالك التوهان وطرق الحيرة أمام العلماء إضطر بعضهم إلى صك تعبير جديد بدلاً من الحب الرومانسى هو "المتيم"، والذى يطلق على العاشق الذى يعتمد إعتدال مزاجه كلية على ردود فعل الآخر فيفسر أى كلمة أو حتى إيماءة بأنها أمل جديد فى الإقتراب أو خوف مجهول من الرفض والهجر، إنه بإختصار متعة وحزن فى آن واحد، إنشراح وشجن فى نفس الوقت، وكل ذلك بعيد عن ساحة المنطق، شارد عن إطار المعقول
للحب الرومانسى دورة وضعها علماء الغرب، فهم يمارسون الحب ويحاولون أيضاً أن يفهموه، ونحن هنا نحاول أن نمارسه ولكننا بالتأكيد نفشل فى أن نفهمه، ولذلك أصر العلماء الغربيون على صياغة مايسمى بدورة الحب الرومانسى، وهم يعترفون بأن هذه الدورة لاتمثل كل علاقات الحب الرومانسية، وليس بالضرورة أن يمر كل حب رومانسى بنفس الترتيب الذى وضعوه، ولكن مايهمنا فى هذا المجال أن هذه الدورة تعيد تشكيل تفكيرنا وآرائنا بالنسبة للحب الرومانسى.
بالضرورة لابد لأى فعل أو سلوك قبل أن يبدأ، أن يسبقه إستعداد، وأولى مراحل هذه الدورة هى مرحلة الإستعداد للحب والذى لايؤدى بطريقة حتمية إلى الوقوع فى الحب، ولكن على الأقل يزيد من درجات إحتماله، هذا الإستعداد تبعاً لتصنيفات وترتيبات علماء النفس من أمثال تينو ووالستر يتكون من عدة عناصر وهى:
1- أن يرى الفرد الحب مكافأة فيبحث عنه ويرغب فيه بدلاً من أن يراه سبباً للمشاكل ومعوقاً عن التقدم، والإنسان الذى يرى فى الحب الرومانسى أنه علاقة ضعف أو أنه سيحد من طموحه وتقدمه العلمى أوالمهنى....الخ، هذا الإنسان للأسف لايسمح لنفسه بأن يقع فى الحب ( هذا بالطبع إذا كان ممكناً التحكم فى مثل هذه العواطف )، ولكن الإنسان الذى يعتقد أن الحب شئ نبيل ومشرف ودافع للإمام، هذا الإنسان بالتأكيد سيبحث عن شريكه المناسب.
2- أن يكون فى داخل الفرد إشتياق أورغبة فى بناء علاقة حميمة مع الطرف الآخر، هذا الإشتياق أو هذه الرغبة من الممكن أن تحث عليها الوحدة والعزلة أو غيرتك من علاقات ناجحة أمامك أو الرغبة فى أن يحل الحب الجديد مكان حب قديم.
3- من عناصر الإستعداد للحب مايطلق عليه الإحباط الجنسى والذى يشارك غالباً فى حالة الإستعداد هذه، وهذا الإحباط ممكن أن ينتج عن حرمان جنسى أو رغبة فى علاقة جنسية كجزء من عاطفة شديدة
4- يعكس الأمل لدى الإنسان فى أن يُحب بضم الياء أو أن يكون مرغوباً فيه، ولذلك فهم يرون أن نسبة الحب الرومانسى تقل كلما تقدم العمر بالإنسان لأن هذا الأمل عنده يخبو بالتدريج
ولكن.........
هل إذا توافرت هذه العناصر الأربعة جميعاً فى شخص واحد، هل سيدخل حتماً فى المرحلة التالية من دورة الحب وهى الوقوع فى الحب؟
الإجابة ليست نعم على طول الخط، فبعض الناس يكونون دائماً فى حالة إستعداد مستمر للحب، ولكنهم لاينجحون أبداً فى التقدم للأمام ولو خطوة، ويظل الفشل تلو الفشل حليفهم حتى النهاية فى رحلة تنقيبهم عن ذلك الحب السراب.
الفصل الخامس
كيف نقع فى الحب؟
ماالذى يشعل نار الحب؟، ومن الذى يضغط على الزناد فيصيب هدف القلب فى الصميم؟، وكيف تحدد ساعة الصفر التى عندها وعندها فقط ينزع فتيل الحب؟، ستظل كل هذه الأسئلة قيد التخمين إلى أجل غير مسمى، ولكن مايهمنا وهو فى نفس الوقت ماحاول العلماء الإجابة عنه هو هذه الخطوة الأولى فى دورة الحب الرومانسى، الخطوة التى يليها الوقوع فى الحب، وهل تتطابق تلك الخطوة مع بيت الشعر العربى الذى قسم مراحل الحب إلى نظرة فإبتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء؟!!!.
الوقوع فى الحب يكون إما بمجرد "النظرة الأولى" أو بالتدريج، وقد يستمر هذا التدريج فى بعض الأحيان شهوراً بل وسنوات، أى أن مرحلة الوقوع فى الحب ليست بالضرورة لحظة، وفلاش الحب المفاجئ لايحدث غالباً إلا إذا كان الشخص فى حالة الإستعداد التى تحدثنا عنها، ومن حسن الحظ أن الحب من أول نظرة ليس هو القاعدة وإلا لحدثت الكارثة فهو فى معظم الأحيان محكوم عليه بالفشل، لكن الوقوع فى الحب غالباً عملية متدرجة تبدأ وتتم صياغتها بطرق كثيرة أهمها أن يكتشف الطرفان كل منهما الآخر أنهما متطابقان كفصائل الدم، وأن كلاً منهما سيلبى إحتياجات الآخر لأنه لو حدث العكس لتعرضنا لمثل مايتعرض من ينقل له دم من فصيلة مختلفة، فسرعان ماتتكسر كرات الدم الحمراء والتى تنقل الأوكسيجين للعلاقة فيموت الحب متأثراً بالأسفيكسيا.
يساعد الإقتراب الحميم على هذا الوقوع، الذى أفضل عليه لفظ النهوض، فالحب نهوض وليس وقوعاً، وأيضاً من الممكن أن تتبرعم الصداقة وتزهر حباً إذا رويت بقطرات ندى الثقة، هنا سيكون الحب أقل إشتعالاً ولكنه حتماً أطول عمراً.
وبالنسبة لمايسمونه مرحلة الوقوع فى الحب فقد حددوا لها قوتين أساسيتين تدفعانها وبقوة إلى الأمام، وهما فضول التعرف الحميم على الآخر، وفضول الجنس.
ممارسة الحب
كل ماهو قبل الممارسة مثله مثل تصفيق المدرجات فى كرة القدم، يظل المتفرج متحفزاً، يقضم أظافره، يلاكم الهواء، يصرخ "خش عليه"، يغمى عينيه لحظة ضربة الجزاء، ولكنه فى كل هذا يظل حبيس المدرجات، تسجنه أسوار الإستاد ونظرات عساكر الأمن المركزى، وكل ماهو بعد الممارسة هو الركض وراء الكرة والتغزل بها داخل المستطيل الأخضر، مستمتعاً بالهتافات ومنتشياً بالتشجيع ومحمياً بعساكر الأمن المركزى !!.
الشخص الذى يستطيع الوصول لهذه المرحلة، أى مرحلة ممارسة الحب الرومانسى، هو شخص فى نظر هؤلاء الباحثين مبدع وخلاق وعلى درجة عالية من الإحساس، فهو كجهاز رصد الزلازل ولكن درجة حساسيته تلتقط أقل ذبذبة أو إرتعاشة فى قشرة الأرض حتى ولو كانت واحد على عشرة ريختر!.
بالطبع من الممكن أن يقع هذا الشخص فى الحب إلى درجة "الدهولة" إذا صح التعبير، او يكون حبه هادئاً واثقاً آمناً، وموضوعياً أيضاً، وفى هذه الحالة تكون الجاذبية الجنسية فى منتهى القوة، ولكنها غالباً ماتكون مكبلة بعوامل الخجل والمحظورات الأخلاقية، وفى بعض الأحيان وهرباً من هذا الموقف أو حلاً لهذا الصراع يتجه البعض إلى ممارسات سرية أو رياضة عنيفة نزعاً لفتيل الرغبة المتأججة بداخله أو بداخلها، أو فى عرفهم للحفاظ على نقاء الحب وطهارته.
بعد هذه المرحلة غالباً مايتحول هذا الحب الرومانسى إلى مايسمى بحب الرفقة أو "العشرة"، أو فى أحيان أخرى يتحلل هذا الحب ويذوب ويتبخر كالكحول نتيجة للصراعات وماأكثرها، ونتيجة للملل والضجر أو -بإختصار - الزهق.
المرحلة الإنتقالية للحب
بعد أن تخف حدة فضول معرفة الآخر والإلتصاق الحميم به، وبعد أن يخفت صوت نبضات الجنس، بعد كل هذا يبدأ الحبيان كلاهما فى ملاحظة عيوب الآخر التى لم يكن يلاحظها أو بالأصح كان يهملها ويتجنب التفكير فيها، ويبدأ فى التسلل كاللص من الشباك، لكنه اللص الذى لايهاب صاحب البيت فيدخل بلاقناع أو قفاز تاركاً بصماته متعمداً على كل الأبواب وكل الجدران.
يحدث الإحباط حين نصدم بأن الحب لم يلبى كل طموحاتنا، ولم يكن على مستوى مامارسناه فى الخيال، وماحلمنا به تحت ضوء القمر، وتتضخم خيبة الأمل حين يكتشف الطرفان أن الحب ليس ذلك الدواء السحرى الذى يشفى كل الأوجاع، إنه ليس الميلاتونين أو الفياجرا بل هو مجرد شربة زيت خروع !.
يبدأ الحبيبان فى هذه المرحلة عقد إمتحانات وإجراء إختبارات كل على الآخر، ويتقمص المحب دور مصحح الثانوية العامة فيمنح درجات لمدى قوة الحب، ومدى بقائه وإشتعاله، والغريب أنه لايسمح بلجان رأفة أو رفع تقدير، بل يكون ممتحناً قاسياً إلى أبعد حد، ولاتحتوى ورقة الأسئلة على أية أسئلة إختيارية فكلها إجبارية تتعلق بمستقبل ذلك الحب، أسئلة من قبيل "هل سأستطيع البقاء مع هذا الشخص أم أننى لابد أن أنفذ بجلدى سريعاً، وإذا قررت النفاذ فمتى وكيف؟".
وتبدأ الغيرة فى الإطلال برأسها القبيح، ويبدأ الغضب والصراع والمنافسة فى طعن العلاقة من الخلف، وبالطبع هذه هى أسوأ التوقعات، ولكنها عادة ماتكون فى تلك المرحلة الإنتقالية مرحلة "إختبار عواطف بعواصف"، وإما أن تمر هذه العواصف بسلام وتبدأ مرحلة الوقوع فى الحب ثانية، وإما أن تجبر أطراف العلاقة على توقيع هدنة مؤقتة، ويمكن أن تؤدى هذه الهدنة إلى مرحلة إنتقالية أخرى، أو تؤدى مباشرة إلى حب العشرة الذى سنتحدث فيه فيمابعد، ولكن كيف تنجح المفاوضات أثناء هذه الهدنة؟.
أعتقد أن المفاوضات تنجح بشئ من المشاركة والمرونة وشئ من الحظ أيضاً تحل الصراعات وتعود العلاقة إلى سابق عهدها فى مرحلة ممارسة الحب.
كلمة السر دائماً فى إجتياز هذه المرحلة بنجاح أن نتأكد من أن الثقة فى علاقة الحب ليست هبة من السماء، ولكنها فى الواقع صناعة بشرية 100%، إنها ليست مادة خام فى منجم او بترول فى بئر ولكنها قطعة "سيرما" رشيقة وفاتنة hand made - صناعة يدوية - وليست بالروبوت!.
نهاية الحب
أثناء مرحلة الوقوع فى الحب يصبح الحبيب مبتهجاً بحبيبه، راغباً فى معرفة كل شئ عنه، وفى نفس الوقت لايخشى البوح له عن ذاته، لايخشى تسليم كل مفاتيح خزاناته الشعورية له وبدون أى وصل أمانة!.
أما فى مرحلة وقوع الحب ذاته أو نهايته فإن الحبيب يصبح أقل إنفتاحاً وأقل حميمية وأيضاً أقل إهتماماً، ويتشوش التواصل بين الطرفين لأنهما ببساطة ليسا على نفس الموجة، فالحبيبة على الموجة المتوسطة والحبيب على الF.M ومهما حاولت إدارة المؤشر فستستمع إلى "الوش" ولن تصل إلى أذنيك على الإطلاق أى جملة مفيدة.
يتم الإنفصال بطرق مختلفة معظمها للأسف مؤلم، ففى إحدى الإحصائيات قدرت العلاقات التى تنتهى بموافقة الإثنين معاً بنسبة 15% أى أنه فى أغلب الأحيان يهجر أحد الطرفين العلاقة، ويظل الآخر على الشاطئ منتظراً، إما أن يظهر الآخر رافعاً يديه من بين الأمواج، أو أن تنكس الراية السوداء حتى يستطيع السباحة معه بأمان، هنا وفى هذه الحالة من الهجر الفردى يصاب المفعول به بحالة من اللوعة والحزن أشبه بما يحدث لأى شخص منا عند موت عزيز لديه، فهو يمر بالضبط بنفس المراحل، وأهمها مرحلة الحداد والصدمة، تليها مرحلة الأفكار والذكريات التى تتناوب عليه أو عليها من حين لآخر، وتظل هذه المراحل فترة طويلة تختلف مدتها بإختلاف بناء الإنسان النفسى ذاته ومدى تماسكه، وذلك قبل الرجوع إلى حالته الطبيعية مرة ثانية، أما الطرف الثانى وهو الذى نكث بوعده فإنه يصبح أكثر غضباً وأكثر ميلاً للإنتقام، وأكثر إصراراً على تجنب أى علاقة أخرى فى المستقبل.
الخروج من الحب
من منا لم يشاهد "كيوبيد" وهو يرشق سهم الحب فى القلب بوجهه الملائكى وجناحيه الحالمين، أظن أننا شاهدناه جميعاً، ولكننا للأسف نسينا أن نسأل كيف ينتزع هذا السهم بمثل هذه السهولة التى نراها فى معظم الأحيان وكأنه سهم إنطلق فى مسلسل ديني مصري!!.
البعض يخرج من الحب بسهولة مرور السكين فى قطعة الجاتوه، والبعض الآخر يخرج بالـ "هاراكيرى" أشهر طريقة إنتحار يابانية يخرج نازعاً معه الأحشاء، وفى بعض الأحيان يخرج ثم يعود لعلاقة حب أخرى وهو أكثر لياقة ونشاطاً، وفى أحيان أخرى يخرج ليمر بفترة كمون أو بيات شتوى لايمكنه فيها الوقوع فى حب آخر مهما كانت قوته.
الفصل السادس
حب الرفقة أو العشرة
نادراً مايستمر الحب الرومانسى الذى تحدثنا عنه بكل توهجه مدة طويلة، فهو كلمبات الفلورسنت لها عمر إفتراضى وغير قابلة للشحن، ولكن عادة ما يستبدل هذا الحب الرومانسى بحب آخر وهو ما يطلق عليه حب الرفقة أو العشرة، وهو نوع آخر من الحب أكثر توازناً وثباتاً، ويقوم على المشاركة والتفاعل والثقة والإحتضان أكثر منه على العواطف الجياشة والإنفعالات الحادة.
حب الرفقة أو العشرة ليس فى معظم الأحيان بديلاً حزيناً لحب رومانسى مأسوف عليه، ولكنه وإذا حميناه من الوقوع فى هوة الروتين والعادة سيصبح هذا الحب مثيراً ومقنعاً ومرضياً من كافة النواحى وخاصة الجنسية، وسيجد كل طرف بالضرورة جوانب ممتعة فى الطرف الآخر، ولذلك يعتبره الكثيرون أكثر أنواع الحب أماناً وصموداً، هذا الحب فى رأى علماء النفس هو مايميز علاقات الزواج الناجحة التى يستطيع فيها الطرفان تحمل المسئولية والعمل وتربية الأطفال وممارسة الهواية وإكتساب الأصدقاء، إنه بإختصار الحب الذى يتعامل مع "الواقعى" ولا يتعامل مع "المثالى" أو "الخيالى".
كيمياء الحب
بعد أن رسمنا دورة الحب، نسأل كما سأل الكثيرون هل للحب جانب بيولوجى مادى نستطيع قياسه؟، وهل تتحكم فيه مواد كيميائية نستطيع ملاحظتها؟
يجيب العلماء: نعم، ويؤكدون إجابتهم ويوثقونها بالأدلة والبراهين، فعلماء البيولوجى يشيرون إلى أنه منذ مئات القرون كان نجاح التكاثر مرتبطاً بشكل أو بآخر بالحب، فإقتراب الإنسان الأول من رفيقته خلال حملها وولادتها ومنحه لهذا الكيان الصغير الحماية والطعام والحنو، من المؤكد أن ماكان يحركه فى هذه الحالة لم يكن سوى الحب وليس الجاذبية الجنسية.
الحب هو ماجعل الإنسان الأول ينظر إلى رفيقة لا تنتمى له وراثياً أو جينياً، أى ليست أخته أو أمه أو بنته، وإنما غريبة بالنسبة إليه، لكن هذا السحر الغامض هو ماجعله يترك الكهف والصيد وينتمى إليها، وهذا بالطبع إنعكس على الكون بيولوجياً بتحسن النسل نتيجة زواج غير الأ