مسكينة تلك التي ابتليت بالبدانة.. تتلقفها الكلمات من هنا وهناك، لا تقوى رداً.. إلا أن تعزف عن مرآتها أملاً أن تعود إليها بشكل مختلف..
أشياء كثيرة في بيتها تتمنى التخلص منها، كالميزان والمرآة، الثياب القديمة ومجلات الموضة والأزياء، ولكن أين المفر والمجلات تطالعها بعناوين تفشي سرها، وبرامج التلفاز تشير لها، والإنترنت يخصص عنها موضوعات تجعلها أكثر نفوراً من حالها دون حلها.
وقد تطيق كل ذلك، إلا عبارة تخرج من فم زوجها، تأخذ بجسدها المثقل - لا أعلم بالدهون أم الهموم- عالياً وتلقيه أرضاً دفعة واحدة ليبدأ نزيف الكلمات..
تود حينها أن تصرخ بأعلى صوتها زوجي لطفاً.. فضلاً.. -لا تقل عني بدينة-، سمينة نعم سمينة ومنتفخة.. ولكن هل تعرف لماذا.. ستجيبني نعم أسباب البدانة هي:...
مهلاً.. أترك عنك ما تقدمه المجلات، وما يعرضه التلفاز من أسباب واستمع إلى أسبابي...
بدينة أنا.. ربما الأمر كذلك لأن الأكل هو المتعة الوحيدة الحلال التي أختار منها ما أريد فلا أجد منها طعماً وأفتقد آخر، إن أردت مالحاً فالأصناف كثيرة، وإن اشتهيت حلواً فالأنواع وفيرة، حتى المر إن أردته أكلته.
في الأكل حرية أتمتع بها، إذ إنه القرار الوحيد الذي أستطيع أن أتخذه دون أن أعود فيه إليك، وبما أنك تركت لي مطلق الحرية في فتح الثلاجة وتناول ما فيها فأنا بدوري لن أفرط بهذه الحرية... وكما يقول المثل -محروم وقع في كروم-.
وإن كنت لا ترى داعياً لتناولي الحلويات وأنها سبب رئيسي لسمنتي، فاعذرني إنما أردت أن أطعّم المرار الذي أشعر به.. ولأنني مطالبة بأن أكون عذبة اللسان وأن أخاطبك بكلمات معسولة مع كل المسؤوليات والضغوطات والمفارقات التي أعيشها فأنا مضطرة إلى تناول كميات كبيرة من العسل والسكر..
كما أني علمت أن علي إن أردت طلب شيء منك أن أتحين الوقت المناسب، فتركت لسمنتي الظاهرة أمامك أن توافق تقبلك لطلبي أو تقنعك بضرورة شراء ثياب جديدة لي بدلاً من الصد والرد وسياق مبررات للشراء.
وربما أني أواكب عصري.. وهذا عصر البرتقالة.. والبرتقالة هنا ليست ثمرة من ثمار بيارات البرتقال المنتشرة في فلسطين والتي ترمز إلى الحنين وحلم العودة إلى الأرض، إنما هي رمز آخر مختلف تماماً عن ذلك..
من جهة أخرى فقد أثبت علمياً أن الإحساس بالملل أو الفشل يزيدان من التوجه إلى الطعام كتعويض لا شعوري عن الكبت النفسي والعاطفي، وأبحاث أخرى تقول إن في الشيكولاته مادة تزيل الكآبة وتبعث على السعادة.
ثم ماذا تراني فاعلة إذا ما اشتد بي الهم.. وأحزنتني مشاكل الدنيا وهمومها، ليس عندي إلا أحد حلين؛ إما أن آكل نفسي أو أن تأكل نفسي وهو ما رجحته.. فلجأت إلى الطعام عساه يسلني، أجول بين ألوانه المختلفة لعله يمسح لون السواد الذي أراه في حال أمتي..
ابتلعت، نعم ابتلعت أشياء أخرى ليست صنفاً من أصناف الطعام!.. أشياء تجعلك تبدو منتفخاً مكوراً.. هذه الأشياء هي أحلامي، أمانيَّ، حماستي نحو التغيير، نحو المضي لما هو أفضل...
ابتلعت حلم أمتي.. حلم الوحدة، حلم وقفة الصف الواحد في مواجهة من يتربص بنا.. ابتلعت حتى أتخمت، وأتخمت حتى سمنت.. وأصبحوا يطلقون علي بدينة... بدينة نعم، ولكن ليس بالدهون فقط، بل بالهموم، بالسراب.. بخيبة الأمل..
منتفخة.. أجل منتفخة غيظاً من كل ما يجري حولي، من تدخل القريب والبعيد بأمري.. باستخدام اسمي في كل شاردة وواردة، وإقحامي عنوة فيما لا أريده.. يتحدثون ويطالبون، يناورون ويحاربون ثم يمهرون توصياتهم بتوقيعي.
وبمعزل عنهم وعن طلباتهم، أرغب كامرأة تمثل نصف المجتمع أن أكون عضواً نافعاً ومفيداً، وأن يكون لي دور إيجابي.. وسمعت أن على المرأة أن تشارك في المجتمع بكل ثقلها.. فعزمت على أن أزيد من ثقلي لتزيد مشاركتي وأكون أكثر فاعلية في مجتمعي..
لهذا كله أبدو بدينة.. فلعلك بعد أن عرفت أسبابي، تعذرني لكني أعرف أنك لن ترضى أن أبقى على حالي ولسان حالك يسأل عن الحل..
ولعلك تلمح إلى أن أتبع نظام حمية يخلصني ويخلصك مما أنا فيه، وكونه من الصعب أن ألفظ أو أخفف من آلامي وهمومي المبتعلة، فليس لي إلا أن ألجأ إلى التخفيف من الدهون المختزنة.. ولكن أي نظام حمية أو ريجيم تريدني أن أتبعه؟....
هل أختار الريجيم الكيمائي؟.. أخشى إن اخترته أن تزحف أمريكا بجيوشها نحوي بحجة البحث عن الأسلحة الكيمائية لدي، وكفاني مقاومة الاحتلال الفكري والثقافي الذي تمارسه علي.. حتى تأتني باحتلال جديد..
أم أختار ريجيم البروتين فأوصم بأني من أكلة اللحوم فأثير حفيظة جمعية الرفق بالحيوان .
اتركني من هذه الأنظمة.. وضع يدك في يدي نمشي سوياً كل مساء، نتحدث، نتكلم.. أفرغ في جو طليق معك بعض من همي- لا تخف لا أقصد أن أفرغ فيك همي- وأخفف برياضة المشي بعضاً من دهني وشحمي.. فأنقص بذلك وزناً وهماً..