ولد عبد الصمد الكنفاوي يوم 13 أبريل 1928 بجوهرة المحيط العرائش في زمن اهتمام الناس بكل ما يتعلق بالبطنة و يذهب بالفطنة و قبوع دعاة الثقافة بالمقاهي يرتشفون كؤوس الشاي و يتنابزون بالألقاب و يقضون وقتهم بانتقاد الصالح و الطالح.
فظهر هذا المولود الجديد الرافض لسلبيات ذلك المجتمع و المحب لوطنه، فنشأ في كنف جده في حي القصبة، و تعلم القراءة و الكتابة و حفظ القرآن الكريم في الكتاب ثم التحق بمدرسة فرنسية قرب البيت، فاجتاز المرحلة الابتدائية و الثانوية بامتياز مما خوله الالتحاق بكوليج مولاي يوسف بالرباط .
، و كان يكره تعامل بعض الأساتذة مع الطلبة المغاربة عامة و المتفوقين خاصة ، و هذا ما سبب له مشاكل أدت إلى خروجه من الكوليج ليعمل كقيم على المكتبة مما ساعده على متابعة الدراسة لكن هذا لم يقلل من طموح من أراد النهوض بمجتمعه ، بل أدى به إلى الجد و المثابرة أكثر.
عمل عبد الصمد في أول حياته كقيم على مكتبة ، و بدأت ترتقي تطلعاته و تبرز مواهبه الفنية في التأليف و التمثيل و هذا ما ساعده على الإلتحاق بالمعمورة للإستفادة من التداريب التي سهر عليها فرنسيون مثل نوران و لوكا الذين أعجبا به و بموهبته و احتضناه مما جعل منه
أول مدير لفرقة التمثيل التي مثلت المغرب سنة 1956 في مهرجان الأمم بباريس و حصلت على الجائزة الثانية ، لكن هذا لم يرضي طموحه
فاشتغل بالسلك الدبلوماسي ببوردو فالتقى بالصحفية التي تدعى"دانييل" التي أصبحت في ما بعد زوجته ، ثم انتقل للعمل
كدبلوماسي في موسكو ، فكان هاجس المسرح مرافقا له مما مكنه من تفتق موهبته على المسرح الغربي و على مختلف وسائل التعبير الحر من كتاب و صحافة و تلفزة...مما أهله لتكثيف نشاطه على مستوى الكتابة و تنظيم المهرجانات الوطنية للهواة سنوات'72/73/74' فسمي رائد الحركة المسرحية بالمغرب ، و كذا اعتبر من المؤسسين الأوائل لفن المسرح ببلادنا'المغرب' من حيث الترجمة و التأليف و الاقتباس.
اهتم هذا المبدع بتأليف العديد من المسرحيات من أهمها مسرحية:
- "بوكتف" التي ساهمت في فضح و تعرية الواقع المغربي بمختلف شرائحه الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية.
- "مولا نوبة" التي مثلت صورة حية للحياة بالإدارة المغربية و ما تعرفه من تدهور و استغلال النفوذ و الرشوة، و طرحت ما يتعرض له المواطنون من ابتزاز بطريقة كاريكاتورية فجاءت صورة ناطقة معبرة تعكس ذاتية المؤلف،و معايشته كمسؤول بالعديد من الإدارات مكنته من رسم شخوصه بدقة في كل أعماله المسرحية.
خجل, قناعة وبساطة كانت لعبد الصمد شخصية رائعة قلما تجدها، تتسم بالخجل و القناعة و البساطة في الحياة و صراحة في القول و العمل، تميل إلى التسامح فتقابل الوحوش بالورود و الكراهة بالحب و العدوان بالصداقة و الجفاء بالوفاء و هذه شخصية من نهل من القرآن الكريم و اتصف بأخلاق الإسلام، و كذلك هذه شخصية من يريد الإصلاح.كما تميزت شخصيته عن غيره بنباهته الشديدة فكان يقرأ كتابا ما ثم يعطيه إلى أصدقائه و يستظهره عليهم بالتدقيق بما في ذلك رقم الصفحة و عدد الأسطر المتضمنة للمعلومات المطلوبة.
كرس هذا المبدع حياته في سبيل نشر الخير و الحق بين الناس،و كان ميالا للدفاع عن حقوق و مصالح الفئة الشعبية،و الدفاع عن كرامة الإنسان في كل مكان و هذا متمثل في أعماله المسرحية.
و ما لبث عبد الصمد أن اشتد به مرض خبيث في آخر حياته،و أسدل الستار على فنان أفنى عمره خدمة للطبقة الكادحة مفتخرا أنه كان ينتمي إليها سنة 1976.
المرجع :عبد الصمد الكنفاوي الرجل الذي عانق الوحوش