جوته ..العاصفة والتيار

يوهان فولفجانج جوته هو أحد اشهر أدباء ألمانيا المتميزين، والذي ترك إرثاً أدبيا وثقافياً ضخماً للمكتبة الألمانية

والعالمية، وكان له بالغ الأثر في الحياة الشعرية والأدبية والفلسفية، ومازال التاريخ الأدبي يتذكره بأعماله الخالدة التي

مازالت أرفف المكتبات في العالم تقتنيها كواحدة من ثرواتها، وقد تنوع أدب جوته ما بين الرواية والكتابة المسرحية

والشعر وأبدع في كل منهم، واهتم بالثقافة والأدب الشرقي واطلع على العديد من الكتب فكان واسع الأفق مقبلاً على

العلم، متعمقاً في دراساته.


جوته .... العاشق

العاشق الذي وهب روحه للأبد الطليق، وأطلق حرائق الأسى من صدره،ونقش قصائد حبه على أوراق الشجر وضفاف البحار الحزينة0

يوهان جوته0رائد قصص العشاق الدامية، والعواطف الجياشة الخافقة بالتحدي، وصراع من أجل موت يغدو أعذب من الحياة.

يتوهج الإبداع فيغمس جوته قلمه في نزيف جراحه، ليسجل قصص غرامه ولوعته، وإحساسه بالفقد والوجد والتفرد.

تجاوز الواقع، وشيد ممالك الخيال الشفافة0وحلق مع الحمائم البيضاء يغني للحب والمرأة ولحظات الإبداع والاحتراق0

عشق جوته "شارلوت"ِ المرأة التي ترقرقت في خياله جدولا من حرير0وسكنت قلبه وردة في حدائق العشاق0

وظل العاشقان يحلقان في فضاء الحب وعلى ضفاف الحنان0وعاشت "شارلوت" في كتابات وأفكار وأشعار جوته ،

وأثمرت هذه القصة الغرامية عن أروع رواية رومانسية في الحب، هزت أفئدة الشباب0والرجال والنساء وعاشت في تاريخ الأدب أغنية حب خضراء0

لقد عشق جوته المرأة0امرأة تذهب وامرأة تأتي0وامرأة أخرى تغفو على كتفه، فإذا بالعالم وردة ياسمين تشرب من دمه وجراح العشق.

وأحبت "شارلوت" الفتاة الجميلة الشاعر الرقيق جوته0رغم زواجها برجل آخر اختارته لها أمها قبل أن تموت، وتألم

الشاعر واضطربت حياته0وظل يطارد حبيبته في كل مكان0حتى عرف الناس سر هذا الغرام الملتهب وثارت الأقاويل.

وضاق زوج شارلوت بهذا العاشق وقرر أن يقتله0فخافت الفتاة على حبيبها0والتقت به في أحد المزارع بين السنابل

والأشجار المورقة0والأزهار المتفتحة0وقالت له وهي تبكي: "أرجوك0كف عن زيارتي وملاحقتي0إن زوجي سوف

يقتلك" ، ويحتويها جوته بين ذراعيه ثم يضمها إلى صدره0وهي تبكي بحرقة وألم عميق،

ويقول : "لن ألاحقك يا شارلوت ، كتب علينا الوداع".

وبعد ذلك العهد ،، مرت الأيام على جوته ثقيلة يائسة ، كان يفكر كل ليلة بالانتحار، لكنه قرر أن يكتب قبل انتحاره ، وبدأ يكتب دون أن يدري ما الذي سوف يكتبه، وانصهرت روحه وذاب قلبه ومشاعره في الكتابة ، كانت الكلمات تتدفق كأنها بحار ظلت تحاصرها الضفاف لأمد طويل وها هي الآن تتغلب على ضفافها، حتى هدأت نفسه، وتألقت من بين أصابعه رواية "آلام فرتر"

تلك الرواية التي أودع فيها قصة غرامه المحطم، وأطلق على البطلة اسم شارلوت، وانتهى المطاف بالبطل فرتر أن ينتحر بعد فشله في الحب ويأسه ودماره، ولا يخفى على من يقرأ الرواية بأن جوته قد جسد آلامه وعذابه من خلال فصولها، يقول بطل الرواية في اللحظات الأخيرة قبل أن يقدم على الانتحار: "قدمي الكأس يا شارلوت، فليس بي رعدة ولا وجل، قدمي الكأس المخيفة الباردة أذق بها سكرة الموت، أنت التي تقدمينها إلي فكيف أتردد أو أحجم".

ومن قصائده إلى شارلوت يقول :-
ماذا يخبئ لنا القدر
كنت تعرفين كل صفة من صفاتي
وكنت ترقبين كل هزة في أنسجة جسمي
كنت تقرئين عذابي بنظرة واحدة
وبين ذراعيك الملائكيتين
كان قلبي المهموم يجد واحة راحته

إن الحب هو الخلاص الحقيقي لعذابات الروح وآلام البشر لدى جوته، والمرأة نبع النور والإلهام والحنان.

رسم أشجانه على أشجار الليل الحزين، وظل منتظرا أن تشرق شمس امرأة تنقذه من الهلاك.

لذلك لم يكن غريبا أن يستلهم من تجارب حياته ومضات من الإبداع، ويقول مؤكدا ذلك : "في حين يظل الإنسان صامتا في عذابه، أعطاني الله القدرة على وصف عذابي وآلامي".

وقال بعد انتهائه من رواية "آلام فرتر" : "لقد تألمت كثيرا ولكن الألم كالشمعة التي أضاءت نفسي وأثارت مواهبي،

وها أنا أعود سليما معافى